مهما مرت الاعوام والسنوات سيظل الطفل محمد الدرة شاهدا على جرائم الكيان الاسرائيلي الذي لا يرحم حجرا ولا بشرا, جرائمه التي قد ادمت البشرية, وجعلت من دماء الاطفال اكسيرا حلو المذاق يتجرعه جيشها المزعوم ليكون عليهم لعنة.
وبالطبع قد لا نكون في حاجة الى تذكير بمشهد استشهاد محمد الدرة البالغ من العمر12 عامًا في احضان والده في موقف هز ضمائر العالم الإنساني ظهر يوم الاحد 30/9 /2000، عندما خرج مع والده ودخلا دون ادراك في منطقة اطلاق نار عشوائي من قبل الجيش الصهيوني وقام الاب بالاحتماء خلف برميل، ولم يتوقف الجنود العاشقون للدماء رغم استغاثة ونداء الاب بالتوقف عن اطلاق النار نحوهما، حتى استشهد الدرة في مشهد نقلته وكالات الانباء العالمية والمحلية للعالم اجمع.
نظرة عامة علي واقع الطفل الفلسطيني:-
منذ أكثر من 57 عام وفلسطين من أكثر الدول معاناة جراء ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، الذي شرد ما يقارب 75000 فلسطيني عام 1948 م ليصبحوا بلا مأوى وليضحي أطفالهم لاجئين بلا أي ذنب اقترفوه ولم يقف الأمر عند هذا الحد من البشاعة بل تتالت الانتهاكات الإسرائيلية بحق شعبنا الفلسطيني على مدار الزمان السابق حيث اقترف الاحتلال العديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان الفلسطيني والتي راح ضحيتها الآلاف من الأطفال والنساء والشباب وأدت إلى قطع السياق التنموي التطويري للمجتمع الفلسطيني.
منذ بداية انتفاضة الأقصى كان الأطفال الفلسطينيين ضحية للعنف الإسرائيلي، حيث قتلت سلطات الاحتلال حتى نهاية العام 2004 أكثر من 676 طفلا دون الثامنة عشرة من العمر، كما وأصيب ما يزيد عن 9000 طفلا، وعانى الآلاف من الاطفال من صدمات نفسية نتاج لمعايشتهم ومشاهدتهم لأحداث مروعة، إضافة إلى اعتقال ما يزيد عن 3000 طفلا خلال الانتفاضة، وما زال أكثر من 300 طفلا منهم يقبعون في السجون ومراكز الاعتقال الإسرائيلي في ظروف غير إنسانية، فالانتهاكات الإسرائيلية تركت أثار سلبية على مختلف مناحي حقوق الأطفال الفلسطينيين، سواء حقهم بالحياة أو حقهم بالتعليم أو حقهم بالحرية أو حقهم بمستوى معيشي أو صحي ملائم. كما أن النمط التقليدي السائد في تربية الاطفال في مجتمعنا، مضافا إليه الإشكاليات المجتمعية وزيادة الفقر، والنقص في تلبية الاحتياجات الأساسية لفئات المجتمع المختلفة، وتعقد الأوضاع والمشكلات التي يعاني منها الوضع الداخلي الفلسطيني من تراجع علي كافة المستويات و خلل في الأداء لدى معظم المؤسسات الرسمية والأهلية، وغياب الأدوات والخطط والبرامج المنظمة للرد على الاحتياجات الناشئة جراء هذه الظروف يضيف صعوبات ومشاكل على الإنسان الفلسطيني بشكل عام و على الطفل الفلسطيني بشكل خاص.
مدي تمتع الاطفال بحقوقهم:-
لقياس مدي تمتع الاطفال في فلسطين بحقوقهم سنتناول عدد من الحقوق الواردة في الاتفاقية ونبحث في مدي ضمانها واحترامها في المجتمع الفلسطيني.
ففي الوقت الذي تنص فيه الاتفاقية على حقوق الطفل ابتداءً من حقه في الحياة (م6) وحقه في أن يكون له اسم وجنسية (م7) وحقه في التعليم والصحة وحرية التعبير وبالفكر والوجدان وفي حرية تكوين الجمعيات والاجتماع السلمي (م13، 14، 15)، وحقه في المشاركة و الحماية وعدم التميز، نجد أن الاحتلال الإسرائيلي يقتل ويلغي هذه الحقوق وعلى رأسها حق الطفل الفلسطيني في الحياة التي أكدته المادة “6” من الاتفاقية بقولها: “تعترف الدول الأطراف بأن لكل طفل حقاً أصيلاً في الحياة” والفقرة الثانية التي نصت على أن “تكفل الدول الأطراف إلى أقصى حدٍ ممكن بقاء الطفل ونموّه , كما ان الواقع الاجتماعي والثقافي والاقتصادي الفلسطيني ونمط التربية والتعامل السائد مع الاطفال يساهم في تعريض حقوق الاطفال للانتهاك المستمر
الموقف الاسرائيلي الداخلي بشأن حادثة استشهاد الدرة
أن الموقف الاسرائيلي لم يشكك فقط في قتل الجيش الإسرائيلي للطفل بل ترى إن ثمة احتمال بأن المشهد كان ” مُرتباً له مسبقاً” , يبدوا أن إسرائيل عانت طوال 13 عاماً من (فرية دم) جديدة , لكن الرواية الإسرائيلية أقرب لحكاية اولها كذب واخرها تصديق لذلك الكذب , حيث تسلم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تقرير لجنة تحقيق رسمية إسرائيلية شكلها وزير الدفاع موشي يعلون حينما كان نائباً لرئيس الحكومة حول استشهاد الطفل محمد الدرة , وأعلن نتنياهو عند تسلمه التقرير أن قضية الدرة فضحت جرائم اسرائيل ضد الابرياء والعزل .
– وزير العلاقات الدولية والإستراتيجية والاستخبارات “يوفال شتاينتس” إن اللجنة بذلك تتهم القناة التلفزيونية الفرنسية (فرانس 2)، التي نشرت أول صور مقتل الدرة في 30 سبتمبر/أيلول العام 2000، بالافتراء.
*** ومعروف أن مقتل الدرة أثار غضباً واسعاً ضد الاحتلال الإسرائيلي، الذي نكل حينها بالفلسطينيين في الضفة والقطاع، وهو ما دفع إسرائيل إلى ادعاء أن الطفل قتل بنيران فلسطينية. وكرست إسرائيل لهذا الادعاء الكثير من الجهد والمال، وحشدت خبراء للقول إنه يستحيل أن يكون الدرة قتل بنيران تأتي من الموقع الإسرائيلي، الذي يحرس مستوطنة “نيتساريم” في قطاع غزة قبل تفكيكها. حيث شجعت إسرائيل أنصارها على رفع دعاوى ضد القناة الفرنسية ومراسليها بهدف إظهارهم كـ “مفترين” على الكيان ومتحيزين للفلسطينيين. لكن كل المحاولات باءت بالفشل ، وظل الدرة أقرب إلى أيقونة فلسطينية دخلت كل بيت في العالم لتحكي واقع الظلم الذي يعيشه شعب أعزل تحت الاحتلال .
بالنهاية قد رأى العالم كله الشريط ، ولم ير ما رآه الإسرائيلي , وكان استنتاج العالم مغايراً للاستنتاج الإسرائيلي، لكن ذلك لم يمنع اللجنة من القول إنه “لا توجد شهادة على مقتل الطفل”، ولأن اللجنة “موضوعية جداً فإنها لا تستطيع تحديد المسؤول عن مقتل الدرة لسبب بسيط، وهو أنها لا تعرف أنه قُتل”.؟؟؟
وتأتي محاولة إسرائيل نسف قضية محمد الدرة في إطار فهمها بأن صور الدرة شكلت تبريراً ودافعاً للعديد من العمليات الاستشهادية ضد إسرائيليين , وقد جرت محاولة إسرائيلية مشابهة لنسف الوقائع حول مجزرة مخيم جنين التي جرت بعد استشهاد الدرة بعامين تقريباً.
لجنة تحقيق اسرائيلية داخلية
ان حادثة القتل الهمجي للطفل محمد الدرة والتي شاهدها العالم عبر شاشات التلفاز , أثار عاصفة من ردود الفعل المستنكرة للجريمة التي جعلت من الكيان ان يستجدي مخرجا لتلك الفاجعة , حيث قساوة هذه الصورة حوّلتها إلى “أيقونة” الانتفاضة الثانية ، لأنها تفضح الممارسات الإسرائيلية في فلسطين , وتناقلها مناصرو القضية الفلسطينية بشكل كثيف ما شكل إزعاجًا لليهود المدافعين عن إسرائيل في العالم , وبدأ العمل على تنظيم حملة تنفي الصورة وهدفت المحاولات الأولى إلى تحميل الفلسطينيين مسؤولية إطلاق النيران , وارتفعت الأصوات في إسرائيل مطالبة بالتحقيق في الحادث مجددًا لادعائهم ان وفاة محمد الدرة كان بنيران فلسطينية ، حيث إعادة التحقيق في الحادث لم تكن ممكنة لأن مسرح الجريمة كان قد مُحي عن خريطة غزة بعدما مسحته الدبابات الإسرائيلية .
تطوع ناحوم شاحاف للعمل على تأكيد توّرط الفلسطينيين في قتل الدرة , وطلب في 19 تشرين الأول 2000 من رئيس الوحدة العسكرية المسؤولة عن الجريمة الجنرال “يوم توف ساميا” الموافقة على إعادة بناء مسرح مشابه للجريمة لكي يؤكد أن الجنود الإسرائيليين لا يمكنهم، من المكان الذي تواجدوا فيه ، أن يكونوا هم من أصاب الدرة .
حيث عجيبٌ حرصُ إِسرائيل على سمعتِها، وطريفٌ في نتائج لجانِ تحقيقٍ تُشكّلها عندما تثور ضجةٌ بشأن جرائم يرتكبُها جنودُها أَو شرطتُها أَو عصاباتُها المستوطنون, والجديد في هذا الخصوص أَنَّ بنيامين نتانياهو تسلم , تقرير لجنة تحقيقٍ رسميةٍ بشأن قتل الطفل الفلسطيني، محمد الدرة ، والتي التقطها المصور طلال أبو رحمة، وبثتها، أَول مرة، القناة الفرنسية الثانية , انتهت اللجنة إِلى أَنها لا تستطيع تحديد من قتل الدرة ، بسبب أَنها لا تعرف أَنَّه قُتل ، وقد يكون مات لاحقاً، لكنَّ أَيَّ إِسرائيليٍّ لم يُطلق النار عليه , واستحقّت هذه النتيجة الموضوعية بحسبِ صحفٍ عبريةٍ ، من نتنياهو، احتفاءً كبيراً لدى تسلمه تقرير اللجنة ، ، ولا يسعنا القول الا أَنَّ هناك سبيلاً واحداً لمحاربة الكذب، هو سبيل الحقيقة , ولا يدري المرءُ ماذا يفعل حين قراءةِ هذا التدليس ، هل ينشغل بكشفِ تهافته ، أَم يسخر منه ويمضي إِلى ما هو جدّي، فالمزحةُ، هنا، سمجةٌ في تحقيق لجنةٍ شكلها مجرم حربٍ معروف، اسمُه موشيه يعلون، قبل أَنْ يتولّى وزارة الحرب في حكومة نتانياهو الراهنة.
ربما يكون الطفل الشهيد محمد الدرة محظوظاً بأَنَّ قتله صار قضيةً عالمية ، بفضل سلطة الصورة التلفزيونية في عالم القرية الكونية ، على غير مئاتِ الأَطفال الفلسطينيين الذين استهدفتهم جرائمُ قتل إِسرائيلية منذ نشأة الكيان الغاصب، بل قبل ذلك، حيث دشَّنت العصابات الصهيونية الأولى هذه الجرائم، وكان منها قتل 11 فلسطينياً في بالرصاص، بينهم امرأَة وبناتُها الصغيرات الثلاث ، ذات ليلة في تموز 1947. … نظنُّ حمايةَ الرواية الفلسطينية في قتل الدرة صار واجباً ضرورياً، كما حمايتُها بشأن محدلة التمويت الإسرائيلية، منذ قبل قتل تلك المرأة وبناتها إِلى يومنا هذا.
راي قانوني بلجنة التحقيق
يبدو أن الجيش الإسرائيلي قرر أن يحقق مع نفسه ليستبق أي تحقيق نزيه وعادل من أي طرف كان داخلي أو دولي , فخشي من تكرار ما جرى في مخيم جنين وموقف الأمم المتحدة آنذاك , بل هاب أن تقوم قوى سلمية إسرائيلية بطلب تحقيق عادل ونزيه , فاستبقت كل ذلك . فغدا الخصم حكما وأصبح الجيش الإسرائيلي يحقق مع ذاته وأصبح جسمان في جسم واحد ,جسم يحقق ( بكسر الحاء ) وجسم يحقق (بفتح الحاء ) معه , وغدونا نسمع عن غرائب الأقدار وتناقضاتها وسخافاتها في التحقيق من أجل عيون مطلق النار الإسرائيلي .
وحتى قانون لجان التحقيق الإسرائيلي لسنة 1968 تم تجاهله من قبل الجيش الإسرائيلي, فالجيش لا يريد أي طرف خارجي حتى لو كان إسرائيليا بالتحقيق في أفعاله ومع جنوده , ويبدو أن الجيش الإسرائيلي لا يعتقد أن مسألة في غاية الأهمية والحيوية حدثت بل يعتقد أن دماء الفلسطينيين لا تستأهل تحقيقا نزيها من خارج المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
لقد حدثت أحداث كثيرة ومتعددة في المنطقة شكلت على إثرها لجان تحقيق رسمية ذات صلاحيات قضائية وقد قدمت نتائجها وتوصياتها بعد أن استمعت للشهود وزارت موقع الأحداث نذكر منها لجنة أجرانات التي قامت للتحقيق في التقصير الإسرائيلي في حرب رمضان عام 1973 , ومنها لجنة كاهان التي قامت بعد مذبحة صبرا وشاتيلا في عام 1982 , ولجنة أور أيام باراك حينما قتلت الشرطة الإسرائيلية ثلاثة عشر فلسطينيا من أهل الداخل في عام 2000 .
ويذكرني ما جرى في الجيش الإسرائيلي من تحقيق عن أحداث غزة مع ما جرى من تحقيق في المسجد الأقصى من قبل لجنة زامير أيام اسحق شامير حينما قتل سبعة عشر فلسطينيا وجرح المئات في اقتحام اسرائيلي شرطي للمسجد الأقصى عام 1990 , فرئيس لجنة زامير ضابط كان رئيسا لجهاز الإستخبارات الإسرائيلي الموساد وهكذا رئيس لجنة التحقيق العسكرية في الجيش الإسرائيلي ,واعضاء اللجنتين إما عسكريون أو مدنيون بدون تأهيل قانوني .
لو كان الجيش الإسرائيلي صادقا مع نفسه ومع طرحه في معرفة الحقيقة لعين قاضيا رفيعا ليرأس لجنة التحقيق حتى يعطيها جدية ومعنى ورصانة وصلاحية , أما أن يعين عسكريا يطبق المبدأ العسكري التقليدي ( نفذ ثم ناقش ) فأمر يسيء للتحقيق ويشكك في نزاهته ويرسم علامات استفهام حول موضوعيته وحياديته واستقلاله .
والواضح أن الجيش الإسرائيلي اختار نهجا بائدا في التحقيق وهو لجنة الإدارة الواحدة حيث تحقق الجهة المشكو من تصرفها بنفسها مع نفسها , فخالق لجنة التحقيق هو ذاته الذي يحقق معه وهو الذي يأمر بإجراء التحقيق وهو الذي يقيم نتائج التحقيق , مع فارق بسيط هو أن الأشخاص فقط يختلفون في هذا النمط التحقيقي عن التحقيق الذاتي , فالمؤسسة العسكرية الإسرائيلية تفرز أشخاصا مختلفين واحد للتنفيذ وآخر للتحقيق وثالث للمراجعة ورابع للتظلم وخامس للإستئناف وسادس لأعادة النظر , ولكن كلهم يدورون في ذات الدائرة والفلك , يحملون ذات المبادىء والقواعد بوجوه وملامح وعيون بشرية مختلفة .
مثل هذه اللجان تفتقد إلى العدالة والحيدة والإستقلال والتأهيل القانوني , بل إن إقامة مثل هذه اللجان هو تحكمي استبدادي يخفي غايات سياسية قميئة , هذه اللجنة تهدف إلى امتصاص غضب الرأي العالمي , وتبرئة الجيش الإسرائيلي من تهمة قتل المدنيين الأبرياء , وترسيخ الصورة المزعومة للجيش الأخلاقي , ووضع اللوم على الفلسطينيين رجالا ونساء وشيوخا واطفال .
ونستطيع القول بكل ثقة واطمئنان أن تشكيل الجيش الإسرائيلي للجنته التحقيقية هدفت منذ البداية منع أي جسم دولي للتدخل والتحقيق وبالتالي تبرئة الجيش الإسرائيلي من دم الفلسطينيين ومن الأسلحة والذخائر التي سببت مقتلهم , والغريب أن تحقيقا للقناة العاشرة التلفويونية الإسرائيلية حول ذات الموضوع أثبت صلة الأسلحة الإسرائيلية وتحديدا قذائف 155 ملم . نستطيع القول أن الجيش الإسرائيلي يستهزأ بالعالم والعدالة والرقابة القضائية والحياد والإستقلال ولا يحترم إلا أدواته ولجانه ورجاله وليس هناك متسع للآخرين وأقوالهم وعدالتهم .
هذا النوع من اللجان التي أقامها الجيش الإسرائيلي تعتبر خصما وحكما في آن واحد . وبالتالي ستكون توصياتها وقراراتها محابية للسلطة التي أنشأتها وخلقتها ولن تبتعد عن أية لجنة من هذا القبيل بل ستكون أقبح منها .
والأهم من ذلك أنها تفتقر إلى العنصر القانوني والمؤهل بل إن تشكيلها العسكري الخالص مؤشر مسبق على توجهات اللجنة . يزامن ذلك أن أعضاء اللجنة عسكريون يناصبون الفلسطينيين العداء الشديد . وبطبيعة الحال لم تنس اللجنة ولا قيادة الجيش الإسرائيلي أن يترحموا ويأسفوا على الفلسطينيين الأبرياء وأن ينقلوا الجرحى للمشافي الإسرائيلية ولا استبعد عرض التعويضات المالية عليهم .
موقف مؤسسات حقوق الانسان الدولية والمحلية , من مستخلصات لجان التحقيق
دحضت المراكز والمؤسسات الفلسطينية الحقوقية والاعلامية والعربية المحلية والدولية النتائج التي خلص إليها تقرير لجنة المراجعة الحكومية الإسرائيلية تحت عنوان (( تقرير القناة الفرنسية بشأن الدرة، نتائجه وآثاره)) والذي صدر بتاريخ 19 مايو 2013.
وقد سبقت المراكز والمؤسسات ام اجرت , تحقيقاً في الحادثة بعد وقوعها ، كانت نتائجه مخالفة تماماً للتأكيدات التي وردت في التقرير الإسرائيلي , وكجزء من التحقيقات، حيث قام المركز الفلسطيني لحقوق الانسان بجمع إفادات من كل من:
1. السيد طلال حسن أبو رحمة . (( مصور القناة الفرنسية الثانية الذي كان شاهداً على الحادثة))
2. السيد معالي سليمان حسين سلمي. (( رئيس قسم الاستقبال في مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة ))
3. السيد فتحي مسعود اللوح. (( سائق سيارة إسعاف كان متواجداً في مفترق الشهداء في يوم الحادثة ))
وذكر أبو رحمة، الذي كان متواجداً في المكان أثناء وقوع الحادثة، بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي أطلقت النار بصورة كثيفة ومتقطعة على محمد وجمال. وتم نقل الضحيتين بعد ذلك إلى مستشفى الشفاء بواسطة سيارة إسعاف، حيث أعلن عن وفاة محمد عند وصوله إلى المستشفى. وأفاد اللوح، الذي كان متواجداً في مفترق الشهداء في ذلك اليوم عندما وقت الحادثة، بأنه شاهد قوات الاحتلال تطلق الرصاص الحي في ذلك اليوم، وبأنه بينما كان يقدم الإسعاف لعدد من الجرحى، أصيب بعيار معدني مغلف بالمطاط في ساقه اليمنى، كما أصيب بعد ذلك بقليل بعيار ناري في أعلى رأسه .
في ضوء ما تقدم، فإن مؤسسات حقوق الانسان تنظر للتقرير بالتالي :
1- يشكك بشدة في استنتاجات اللجنة الإسرائيلي في هذا التقرير.
2- تدين و بشدة تأخر إسرائيل لمدة 12 عاماً في التحقيق في الحادثة، كما أن نتائج هذه التقرير تطعن في مصداقية التقرير الذي كشف هذه الحادثة، ونظراً لطبيعة الحادثة، فإن انتهاكات حقوق الإنسان المحتملة المتصلة بها، وهذا التأخير في حد ذاته تشكل انتهاكاً لمعايير القانون الدولي، التي تقضي بأن التأخيرات غير المبررة في فحص انتهاكات حقوق الإنسان والتحقيق فيها تؤدي إلى مناخ من الحصانة، ولا يقدم التقرير أي تبرير لهذا التأخير.
3- وترى مؤسسات حقوق الانسان ، ان التحقيقات السابقة في هذا الموضوع، والتي أجرتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، لم تف بمعايير الاستقلالية والنزاهة والشفافية والسرعة.
4- يطالب بتحقيق دولي مستقل في الحادثة .
الهدف من اتباع سياسة التضليل والكذب في نتائج لجنة التحقيق هي :-
1- حالة لسلطات الاحتلال لتضليل الرأي العام العالمي حول ما ترتكبه من انتهاكات جسيمة ومنظمة ترقى لمستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ولا سيما في قطاع غزة مع العلم , ان الجيش الإسرائيلي قد اعترف عام 2000 بقتل الدرة عن طريق الخطأ وإصابة والده، بعد ان هزّت صوره الرأي العام العالمي ضد اسرائيل في بداية الانتفاضة الثانية .
2- لم يسبق لسلطات الاحتلال أن تعاونت مع أي من لجان التحقيق أو لجان تقصي الحقيقة التي شكلت من قبل لجنة حقوق الإنسان، وفيما بعد من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والان تظهر علينا بلجنة تحي الاموات بمحاولة اعلامية دنيئة لتضليل الرأي واهدار الموقف الانساني .
3- كذلك غرض دولة الاحتلال من خلال التشكيك وحملة التضليل هي إلى حرمان الضحايا الفلسطينيين من الوصول إلى العدالة وتحصين مرتكبي جرائم الحرب ضد الملاحقة والمحاسبة عن الانتهاكات الخطيرة والمنظمة لقواعد القانون الدولي الإنساني التي ارتكبوها بحق المدنيين الفلسطينيين وممتلكاتهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
4- كذلك محاولة الهروب من الالتزامات القانونية والتعويضية المقررة في هدا الشأن حيث لم يفضي أي تحقيق لإدانة أي من أفراد قوات الاحتلال بارتكاب جرائم وعليه لم تقم سلطات الاحتلال بجبر ضرر أي من الضحايا باستثناءات معدودة وخارج نطاق القضاء .
واخيرا إن إسرائيل، بصفتها قوة احتلال ، ملزمة باحترام وحماية حقوق الإنسان للمدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة, ولكن تحقيقات مراكز حقوق الانسان تشير إلى أن إسرائيل حرمت محمد الدرة بشكل تعسفي من حقه في الحياة ، منتهكة المادة 6(1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966, كما أن إسرائيل تجاهلت المادتين التاسعة والعاشرة من المبادئ الأساسية حول استخدام القوة والأسلحة النارية من قبل الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، والتي بموجبها كان على قواتها ألا تطلق النار على محمد وجمال لأنهما لم يشكلا أي تهديد مباشر بالقتل أو إلحاق إصابة خطيرة على الجنود أو على أي شخص آخر, وان عجز المجتمع الدولي عن الوفاء بالتزاماته القانونية ، شجع قوات الاحتلال على المضي قدماً في جرائمها بل والتحلل من القيام بواجبها بالتحقيق في ارتكاب قواتها لجرائم حرب …..